الثلاثاء، 29 يونيو 2010

حماية الشهود والمبلغين في قضايا إهدار المال العام

حماية الشهود والمبلغين في قضايا إهدار المال العام
من أعداد 
عبد الحميد سالم المحامي ورئيس مجلس ادارة جماعة تنمية الديمقراطية 
مقدمة.
هل يحمي القانون المصري المبلغين والشهود في قضايا الفساد عموما وإهدار المال العام بشكل خاص أم لا؟ سؤال يتكرر كثيرا علي ألسنة الناس الرغبين في الابلاغ والذين يخشون بطش المفسدين ، خصوصا مع ظهور عدد من الحالات التي تم التنكيل بها أو تعرضت لمضايقات أو تم فصلهم من عملهم عقب الإبلاغ عن وقائع لإهدار المال العام، وأبرز تلك الحالات هي السيدة / سهير الشرقاوي مسئولة قسم المراجعة بإدارة الحسابات بوزارة الصحة والتي فجرت قضية أكياس الدم الملوث "هايدلينا"، والمتهم فيها عضو مجلس الشعب السابق هاني سرور، وقد بادرت هذه السيدة بتقديم بلاغ إلي الجهات الرقابية تضمن تفاصيل الواقعة، إلا أنها فوجئت بقرار نقل من وظيفتها وظيفة أخري بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية. وعلي الرغم من أن القضاء المصري قد ألغي هذا القرار بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات ألا أن وزارة الصحة رفض تنفيذ القرار، بدون إبداء أية أسباب لهذا الرفض. هذا فضلا عما تعرضت لها من دعوي قضائية أقامها المبلغ ضده  بدعوي أن ما نشر عنه من أقوال في الصحف يمثل سب وقذف في حقه إلا أن القضاء انتصر لها في نهاية الأمر وأبرئها من تلك التهم.
وتلك ليست الحالة الوحيدة إنما يتكرر الأمر مع السيد / أحمد غازي رئيس اللجنة النقابية بالشركة المصرية لاستخلاص الزيوت بالإسكندرية والتابعة للبنك الأهلي المصري (أنفوكو)، والذي كان ضحية لمحاربته إهدار المال العام في شركته ، فقد تقدم أحمد غازي بعدد من البلاغات علي مدار نحو عامين يعرض فيها لعدد من المخالفات المالية والإدارية والتي تؤدي إلي أهدار المال العام، ويطالب جهات التحقيق ببحث تلك المخالفات، إلا أن الأمر أنتهي بفصله من عمله ومنعه من دخول مقر الشركة عقب إصدار الشركة قرار بفصل دون التحقيق معه وعلي الرغم من أنه عضو للجنة نقابية إلا أن ذلك لم يشفع له أو يكفيه لعدم التنكيل به، وهو الآن مازال يجوب المحاكم العمالية بحثا عن حقه المسلوب.
وهذه الحالات وغيرها تؤكد ما رصدته التقارير الدولية والمحلية والحكومية أيضا علي انتشار الفساد فقد أشار التقرير الصادر من منظمة الشفافية الدولية إلي أن مصر في عام 2009 جاءت في المرتبة 115 على مستوى 180 دولة في العالم كما جاء في المرتبة الأخيرة بين الدول العربية، وقد شهدت الترتيبات الدولية لمصر تأخر ملحوظ حيث كانت تحتل مصر المرتبة 105 عام 2007 ، والمرتبة 70 في عام 2006.[1]
وسوف تتناول هذا الورقة حماية المبلغين والشهود في القانون المصري من خلال استعراض عدد من النقاط -محل للمناقشة- منها الوسائل القانونية التي يستخدمها الفاسدون للتنكيل بالمبلغين والشهود، وكذلك استعراض النصوص القانونية التي وفرت صراحةً أو ضمنا حماية المبلغين، مع عرض للحماية القانونية التي وفرتها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لحماية المبلغين والشهود.
1.     الوسائل التي تستخدم للتنكيل بالمبلغين:
تتعدد الوسائل القانونية التي تستخدم في التنكيل بالمبلغين والإساءة إليهم بدأ من تعسف الجهات الإدارية في استخدام سلطتها لنقل وندب وعزل الموظفين العموميين مرورا باستخدام نصوص قانون العمل لتوقيع العقوبات التي قد تصل إلي الفصل من العمل، بالإضافة إلي تباطؤ وتخاذل بعض جهات التحقيق المنوط بها الفصل في البلاغات المتعلقة بالفساد ، وأخيرا الملاحقة القضائية ضد المبلغين والشهود، وذلك علي النحو التالي:
1-1.       تعسف الجهات الإدارية في استعمال سلطتها مع العاملين لديها.
 يحظر قانون العاملين المدنين بالدولة رقم 47 لسنة1978 علي العامل أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص. أو أن يفشي الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته أذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك، ويظل هذا الالتزام بالكتمان قائماً ولو بعد ترك العامل الخدمة.
فإذا ما ربطنا ذلك بما نصت عليه المادة 63 من قانون العقوبات والتي جعلت من إطاعة الموظف رئيسه سبب من أسباب الإباحة حيث نصت علي أنه "لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية: أولا: إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت علية إطاعته اعتقد أنها واجب عليه. ثانيا: إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه. وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت انه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وانه كان يعتق مشروعيته وان اعتقاده كان مبينا على أسباب معقولة." وهو ذاته ما أورته المادة (78) من قانون العاملين المدنين بالدولة  علي أنه " كل عامل يخرج على مقتضي الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً. ولا يعفى العامل من الجزاء استناداً إلي أمر صادر إليه من رئيسه إلا إذا أثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلي المخالفة وفي هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده.
نخلص من ذلك إلي أن تلك النصوص لا تضع قيود علي الموظف في كشف وقائع الفساد فقط، بل تعفيه من المسئولية إذا ما ثبت أنه قام بذلك تنفيذ لأمر رئيس حتى ولو ترتب عليه هذا التنفيذ جريمة يعاقب عليها القانون.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار سلطة الجهة الإدارية في نقل الموظف من وظيفة إلي أخري والتي نصت عليها المواد 54 و 55 و56 من قانون العاملين بالدولة[2] ، نجد أن الموظف يقع أسير للجهة الإدارية التي يعمل بها ، ولا يستطيع البوح أو العمل علي كشف أي وقائع تفيد جهات التحقيق في كشف المتورطين في الفساد. وكأن المشرع ليس فقط يمنع من كشف وقائع الفساد وإنما يحث عليها.
أما القضاء المصري فله موقف مغاير في حماية العاملين من بطش وتعسف الجهة الإدارية وإفراطها في استخدام سلطتها، و يظهر التعسف في استعمال السلطة بوضوح إذا ذهب رجل الإدارة بقراره لتحقيق أغراض تجانب المصلحة العامة التي سعي إليها المشرع من القانون، مثل استعمال السلطة بقصد الانتقام أو استعمال السلطة بقصد تحقيق نفع شخصي لمصدر القرار أو لغيره، أو استعمال السلطة تحقيقا لغرض سياسي، وقد يكون قرار رجل الإدارة في  إطار الصالح العام ، إلا أنه أخطا في تحديد مدي الأهداف المنوط به تحقيقها أو كيفية استعمال الوسائل التي بين يديه، وهناك العديد من الأمثلة والتطبيقات القضائية علي تعسف جهة الإدارة في استعمال سلطتها ، سوف نعرض منها ما يتعلق بتأديب الموظفين.
للإدارة الحق في أن تؤدب الموظفين من مختلف الدرجات إذا ما أقتضي الصالح العام ذلك ، ولكن لسلامة التأديب يجب أن يستوفي إجراءاته وأركانه المقررة، إلا أن الإدارة قد تلجأ إلي توقيع عقوبات مقنعة ، تهربا من إجراءات التأديب وبهذا الصدد تقول المحكمة الإدارية العليا " .. لا يلزم لكي يعتبر القرار الإداري بمثابة الجزاء التأديبي المقنع أن يكون متضمنا عقوبة من العقوبات التأديبية المعينة وإلا لكان جزاء تأديبيا صريحا ، وإنما يكفي أن تتبين المحكمة من ظروف الأحوال وملابساتها أن نية الإدارة اتجهت إلي عقاب الموظف، ولكن بغير إتباع الإجراءات والأوضاع المقررة لذلك، فانحرفت بسلطتها في القرار لتحقيق هذا الغرض المستتر فيكون القرار بمثابة الجزاء التأديبي المقنع ويكون عندئذ مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة"،[3] وتقول في حكم أخر " يكون هناك انحراف في استعمال السلطة إذا اتخذت الإدارة قرارا لحماية أغراض غير التي قصدها الشارع من منحتها تلم السلطة، حتى ولو كانت هذه الأغراض تتصل بالصالح  العام.."[4]
أما عن سلطة نقل الموظفين نقلا مكانيا أو نوعيا فيخول المشرع الإدارة سلطة نقل موظفيها من مكان إلي أخر ، ومن وظيفة إلي أخري (النقل النوعي) وفقا لمقتضيات الصالح العام ، ولعدم التضييق علي الإدارة في الخصوص لم يورد المشرع قرارات النقل بين القرارات التي يختص القضاء الإداري برقاتها، ولكن يشترط لأعمال هذا المبدأ أن تكون قرارات النقل مقصودة لذاتها أما إذا اتخذت ستار لتحقيق أغراض أخري ، فإن القضاء الإداري قد جري من زمن بعيد علي إخضاع هذه القرارات لرقابتها ومن أحكام المحكمة الإدارية العليا في هذا المقام ما قضت به من أنه " ..... ومرد الاختصاص في شان هذه القرارات يرجع إلي ما يعيبها ، سواء لمخالفتها نص المادة 47 من التوظيف[5] أو لصدورها مشوبة بالانحراق بالسلطة ، وتنكب وجه المصلحة العامة بإعطاء أسباب ظاهرة للنقل، حالة أنها تخفي في الواقع هدفا غير مشروع"[6] ، وإعمال لهذا المبدأ قضت بأن نقل الموظف بدون رغبته إلي جهة يكون مجال الترقية فيها مقفولا يعتبر تصرفا مشوبا بعيب الانحراف.
وتتعدد وتتشعب طرق تعسف الإدارة في استعمال سلطتها منها أن تلجأ الجهة الإدارية إلي التعسف في استعمال سلطتها في وضع تقارير الكفاية للموظف بهدف التنكيل به،[7] أو بتهديد الموظف في تطبيق نظام سيء لإجباره علي اتخاذ موقف لا يرضيه أو حتى استخدام سلطتها في فصل الموظف تعسفيا.
إلا أنه رغم موقف القضاء المصري المشرف في التصدي للتعسف في استعمال السلطة إلا أنه يظل بطئ إجراءات التقاضي عاقا أمام الموظف ووسيلة ضغط جديد في يد رجل الإدارة، الأمر الذي قد يدعونا إلي التفكير في وسائل وسبل جديدة لتفادي هذا الأمر.
1-2.       الملاحقة القضائية لمكتشفي الفساد:
وخارج إطار علاقات العمل ، نجد وسائل أخري تستخدم للتنكيل بالمبلغين منها الملاحقات القضائية لمكتشفي الفساد ، وأقرب واقعة شاهده علي ذلك قيام رئيس مجلس الدولة بتقديم بلاغ ضد صحيفتي المصري اليوم واليوم السابع لنشر قرار المحامي العام لنيابة الأموال العامة بالحفظ في قضية رشوة رجل الأعمال فريد خميس لقاضيين من قضاة مجلس الدولة، بل أعتبر أن النشر كان فيه مساس بهيبة القضاء. علي الرغم من أن النيابة العامة قد حفظة القضية تأسيسا علي أن إحالة المتهمين إلي المحاكمة الجنائية فيه ما يمس بهيبة القضاة وهو ما اسماه بـ(مصلحة مجتمعية شديدة الاعتبار)، وليس لانتفاء الجريمة وعدم تلقي القضاء الرشوة.
ونذكر أيضا قيام وزير الإسكان الأسبق بالإبلاغ ضد جريدة الشروق والصحفي صابر مشهور في 11 مايو 2010 لنشره وقائع فساد خاصة بالفترة التي تولي فيها –سليمان- وزارة الإسكان، والتحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة عن تلك الوقائع في التحقيق رقم 408 لسنة 2009 حصر تحقيق أموال عامة عليا.
وتعود تلك الواقعة إلي الأذهان ملاحقة وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان لجريدة المصري اليوم علي أثر نشرها مقال بالعدد رقم (73) بتاريخ 18 ابريل 2004 تحت عنوان " تفتيش مكتب وزير الإسكان - تعليمات للوزير بتجميد نشاطه حتى انتهاء التحقيقات وذلك بمعرفة جهة رقابية رفيعة المستوى" واتهمهم فيه بسبه وقذفه والتشهير به، إلا أن محكمة جنايات القاهرة قد قضت ببراءتهم من التهمة الموجه إليهم.
ولا أحد ينسي أحالة المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي إلي لجنة التأديب، بعد كشفهما للانتهاكات التي شابت الانتخابات،  وقد قضت المحكمة التأديبية يوم الخميس 18 مايو 2006 ببراءة المستشار محمود مكي ، وتوجيه  اللوم للمستشار هشام البسطويسي بتهمة الخروج على التقاليد القضائية والإضرار بسمعة القضاء المصري ، بحديثه لمحطات تلفزيون فضائية وصحف عن تجاوزات في الانتخابات التشريعية التي أجريت العام الماضي.
1-3.       النيابة العامة والإبلاغ عن الفساد.
من خلال ما يزيد عن مائة بلاغ عن لوقائع تتضمن إهدار للمال العام يمكننا أن نقول أن تصرفات النيابة العامة في كثير من الأحيان تكون عائق أمام المبلغين عن أهدار المال العام، فنجد علي سبيل المثال أن النيابة العامة لا تقبل بغير حضور المبلغ شخصيا وترفض أن يحضر عنه وكيلا قانوني ، هذا فضلا عن عدم استخدام النيابة العامة صلاحياتها المخولة له بموجب قانون الإجراءات الجنائية لندب احد المحققين لسماع أقوال المبلغ في المحافظة التي يقيم بها ، وتصر علي سماع أقواله في المحافظة التي أحيل إليها البلاغ، فعلي سبيل المثال إذا تقدمت ببلاغ إلي النائب العام عن واقعة أهدار مال عام في جنوب سيناء، ويحيلها النائب العام إلي النيابة الكلية المختصة ومنها إلي النيابة الجزئية ، فتجد نفسك مضطر إلي السفر إلي مدينة الطور مثلا للإدلاء بأقوالك ، هذا من جهة ومن جهة أخري فأن تصرف النيابة العامة في كثير من البلاغات بحفظ البلاغ دون التحقيق فيه أو بذلك جهد ملحوظ فيه لكشف هذا الإهدار، وهذا الأمر يفتح الباب أمام ضرورة دراسة توجهات القضاء بشكل عام وجهات التحقيق بشكل خاص في قضايا إهدار المال، وما أسباب ذلك وأثاره علي انتشار الفساد.
2.     حماية المبلغين والشهود وفقاً للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد:
صدقت مصر علي الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في 20 أبريل2005، وقد تناولت الاتفاقية حماية المبلغين والشهود والخبراء فيما تضمنته المادة 32 حيث نصت على أن يجب علي كل دولة طرف اتخاذ تدابير مناسبة وفقا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص ألوثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أي انتقام أو ترهيب محتمل. وأجازت المادة  أن تشمل التدابير المتوخّاة - دون مساس بحقوق المدعى عليه بما في ذلك حقه في محاكمة حسب الأصول-:
1.  إرساء إجراءات لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلا، بالقدر اللازم والممكن عمليا، بتغيير أماكن إقامتهم والسماح، عند الاقتضاء، بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن تواجدهم أو بفرض قيود على إفشائها؛
2.  توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح للشهود والخبراء أن يدلوا بأقوالهم على نحو يكفل سلامة أولئك الأشخاص، كالسماح مثلا بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، مثل وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة.
وقد ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف أن تُدخل في صلب نظامها القانوني الداخلي تدابير مناسبة لتوفير الحماية من أي معاملة لا مسوّغ لها لأي شخص يقوم، بحسن نيّة ولأسباب وجيهة، بإبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية."
وحول مدي تأثير الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ما تحدثه من تغيرات في البنية التشريعية ، فمن المعروف انه بشكل عام هناك رأيين فيما يتعلق بوضع المعاهدة الدولية في التشريع الوطني ، الرأي الأول يري أن المعاهدة الدولية هي عقد يوضح الالتزامات المتبادلة بين الدول ، وان المخاطب بالمعاهدة الدولية هي الدولة وبالتالي فإن نصوص المعاهدة الدولية لا تسري داخل الدولة ما لم تقم الأخيرة بصياغتها في شكل قانون داخلي ، والرأي الثاني يذهب إلي أن المعاهدات الدولية يمكن تطبيقها بشكل مباشر أمام المحاكم الوطنية علي خلاف بين معتنقي هذا الرأي الذي يري بعضهم أن المعاهدة الدولية تأخذ مقام التشريع الوطني ، ويري البعض الآخر أنها في مقام الدستور وتعلو علي التشريع ، ويري البعض الثالث أنها في مرتبه ادني قليلا من الدستور واعلي قليلا من التشريع .
ولقد استقر الفقه في مصر على أن القانون الدولي العام هو القانون الأعلى الذي تعطى له السيادة على سائر القوانين ويترتب عليه سيادة قواعد القانون الدولي على القوانين الوطنية بمعنى أن اختصاص الدولة مقيد بقواعد القانون الدولي العام "وينتج من مراجعة أحكام القانون الدولي أن العمل قد جرى على الاعتراف بسيادة القانون الدولي العام وفقا لثلاث قواعد: أن القانون الدولي يسمو على القانون الداخلي، وأن احترام الدول لالتزاماتها الدولية مقدمة على التزاماتها الداخلية، وأن المحاكم الدولية مقدمة على المحاكم الوطنية.[8]
ويذهب هذا الرأي إلى أن " الاتفاقية الدولية تصبح نافذة وسارية على إقليم الدو7لة، ملزمة للسلطات الوطنية ولرعايا الدولة متى أبرمت بطريقة سليمة وروعيت فيها كافة الأوضاع التي يتطلبها القانون الدولي ، فضلا عن الأوضاع التي يتطلبها دستور الدولة"[9].ويستمد هذا الجانب من الفقه الذي يرى سمو النصوص الواردة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية على نصوص القانون الداخلي وجهة نظره من نصوص القانون المصري نفسه حيث أن المشرع المصري نص صراحة على أن العمل بالقواعد التي أوردها في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية في مصر، لا يخل بأحكام المعاهدات  المعقودة أو التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن وذلك وفقا لنص المادة 301مرافعات، "وهو بذلك قد ربط مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية في مصر بمصدر ينفتح على التنظيم الدولي ويصب فيه، ألا وهو المعاهدات الدولية التي تكون مصر طرفا فيها،بل انه قد جعل هذه المعاهدات صراحة في مركز أعلى من التشريع المصري في هذا المجال، سواء كان إبرامها سابقا على هذا التشريع أو لاحقا له[10]. وتنص المادة(151) من الدستور المصري على " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسبها من البيان ولها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة" وتحدد المادة السالفة شروط ثلاثة لنفاذ المعاهدات الدولية والمتمثلة في الإجراءات التالية:
1)         إبرام المعاهدة.
2)         التصديق على المعاهدة.
3)         نشر المعاهدة بالجريدة الرسمية.
وقد خرج مبدأ سمو الالتزامات الناشئة عن الاتفاقيات الدولية على تلك الناشئة عن أحكام القوانين الوطنية من دائرة القانون الدولي العرفي إلى دائرة القانون الوضعي المكتوب، وذلك من خلال النص صراحة على هذا المبدأ في المادة (27) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات سنة1969 والتي تنص على أنه : "... لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذه هذه الاتفاقية". أما القضاء في مصر فقد استقر على مبدأ سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي وتواترت أحكامه مؤكدة هذا المنحى، وفي هذا قضت محكمة النقض بأن" النص في المادة 301 من قانون المرافعات على أن العمل بالقواعد المنصوص عليه في الفصل الخاص بتنفيذ  الأحكام والأوامر والسندات الأجنبية - لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين جمهورية مصر العربية وغيرها من الدول - مؤداه أن تكون المعاهدة بعد نفاذها هي القانون الواجب التطبيق في هذا الصدد ولو تعارضت مع أحكام قانون المرافعات"[11].
وهناك عديد من الاتفاقيات الدولية التي توقع عليها الدولة وهي تختلف في مسمياتها وفي مدي إلزاميتها في بعض الأحيان[12]


3.     حماية المبلغين والشهود في القانون المصري:
نلقي الضوء في هذا الجزء علي الحق في الإبلاغ في القانون والحماية الجنائية للمبلغين.
3-1.       الحق في الإبلاغ:
يعتبر التبليغ عن الجرائم بشكل عام من الحقوق الأساسية للإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، بل أن هذا الحق يرقى إلى مصاف الواجب في كثير من الأحيان وذلك عند ممارسته من قبل الموظفين العموميين، إذ قد يحول التبليغ عن الجريمة في كثير من الأحيان دون وقوعها، وكذلك تفادي النتائج الخطيرة التي قد تنجم عنها ، الأمر الذي يسهم في بناء الثقة والطمأنينة في المجتمع، ويؤدي إلى تعزيز مشاركة الأفراد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام في مكافحة الإجرام بشتى صوره ، ومعاونة السلطات العامة في القيام بواجباتها على هذا الصعيد.
وقد أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد حق المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والأفراد والمنظمات المحلية في المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته والكشف عنه فنص المادة 13 من الاتفاقية ببندها الأول علي أنه " 1. تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة، ضمن حدود إمكاناتها ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر......".
وشجعت كافة بنود الاتفاقية علي مشاركة المنظمات الحكومية والغير حكومية والأفراد في مكافحة الفساد فعرضت المادة الخامسة من الاتفاقية إلي إلزام الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية بضرورة وضع وتنفيذ وترسيخ سياسيات فعالة ومنسقة لمكافحة الفساد وتعزيز المشاركة المجتمعية وذلك فيما نصت عليه بالبند الأول من أنه " تقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنـزاهة والشفافية والمساءلة".
كما نصت الفقرة الثانية من المادة 39 من ذات الاتفاقية علي أنه "2- تنظر كل دولة طرف في تشجيع رعاياها وغيرهم من الأشخاص الذين يوجد مكان إقامتهم المعتاد في إقليمها على إبلاغ السلطات الوطنية المعنية بالتحقيق والملاحقة عن ارتكاب فعل مجرّم وفقا لهذه الاتفاقية.
وقد نظمت المادتين 25 و 26 من قانون الإجراءات الجنائية عملية الإبلاغ عن الجرائم سواء أكان هذا الإبلاغ من المواطنين العاديين أم من الموظفين العموميين فنصت المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية علي أنه" "لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو احد مأموري الضبط القضائي عنها"، كما نصت المادة 26 من ذات القانون علي أنه" يجب علي كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية أو بسبب عمله تأديته بوقوع جريمة من الجرائم التي يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فورا النيابة العامة أو اقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي"
وتقول محكمة النقض عن الحق في الإبلاغ عن الجرائم أن " التبليغ عن الجرائم ليس حقا مقصورا علي من تقع عليه الجريمة وإنما هو تكليف واجب علي الأفراد كافة القيام به لمصلحة الجماعة"[13]
كما قضت إلي أن " مفاد نص المادة 26 من إجراءات جنائية أن واجب التبليغ عن الجرائم التي يعلم بها الموظفين العموميون أو المكلفون بخدمة عامة أثناء تأدية عملهم أو بسبب تأديته هو أمر يدخل في واجبات وظائفهم مما يعرضهم للمسئولية التأديبية إذا خالفوا هذا الواجب"[14]
ومما تجدر الإشارة إليه، أن الإبلاغ عن الجرائم بشكل عام وعن جرائم الفساد بشكل خاص لا يعد من قبيل الوشاية ويخرج عن نطاق الأسرار الوظيفية التي يتعين كتمانها وعدم إفشائها، بل إن السر الوظيفي ذاته يتعين إفشاءه إذا كان القصد منه الحيلولة دون وقوع جريمة أو كان القانون يوجب القيام بعملية الإفشاء.
3-2.       الحماية الجنائية للمبلغين والشهود في القانون المصري:
قد يري البعض أن القانون الجنائي المصري بشقيه الإجرائي والعقابي قد خلي من حماية للمبلغين أو الشهود، إلا أن المتعمق في نصوص القانون الجنائي المصري يري عدد من النصوص القانونية تكفل حماية للمبلغين، منها ما سوف نطرحه للنقاش في النقاط التالية:
·    يتمتع المبلغين بالضمانات القانونية التي وفرها المشرع للمواطن العادي بشكل عام فيما يتعلق بالتقاضي من قبض وتفتيش واحتجاز أو إيذاؤه بدنيا أو معنويا، كما أن المشرع قد جرم عددا من الممارسات التي قد يمارسها الموظفين العموم في سبيل أداء وظيفتهم ، فجرم تعذيب المتهمين لحملهم علي الاعتراف كما جرم استعمال القسوة مع آحاد الناس اعتمادا علي وظائفهم، هذا فضلا عن تجريم أن يقوم موظف عمومي بإجبار أحاد  الناس علي عملا -في غير الحالات التي يجيز فيها القانون ذلك - أو استخدم أشخاصا في غير الأعمال التي جمعوا لها بمقتضى القانون.
·    هناك عدد من النصوص القانونية تجعل المبلغ في مأمن من العقاب أذا ما قام بالإبلاغ عن الجرائم التي علم بها، فعلي سبيل المثال نصت المادة 304 من قانون العقوبات علي أنه " لا يحكم بهذا العقاب على من اخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعلة." ، كما نصت المادة 310 من ذات القانون علي أنه " كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعاً إليه بمقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصي اؤتمن عليه فأفشاه في غير الأحوال التي يلزمها القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري...."
·    المبلغين والشهود من أرباب الوظيفة العامة يدخلون ضمن الحماية المقررة للموظفين العموم والمنصوص عليه في المادة 124 (ب) من قانون العقوبات علي أنه " يعاقب بالعقوبات المبينة في الفقرة الثانية من المادة 124 كل من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين أو المستخدمين العموميين في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو التدابير غير المشروعة على الوجه المبين في المادة 375".
·    وفرت المادة (375) الحماية القانونية لحق المواطنين في العمل سواء أكانوا من أرباب الوظيفة العامة أم لا ، حيث نصت علي "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو تدابير غـير مشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق من الحقوق الآتية: (أولا) حق الغير في العمل..... ويطبق حكم هذه المادة ولو استعملت القوة أو العنف أو الإرهاب أو التدابير غير المشروعة مع زوج الشخص المقصود أو مع أولاده. وتعد من التدابير غير المشروعة الأفعال الآتية على الأخص: (أولا) تتبع الشخص المقصود بطريقة مستمرة في غدوه ورواحه أو الوقوف موقف التهديد بالقرب من منزله أو بالقرب من أي مكان آخر قطنه أو يشتغل فيه. (ثانيا) منعه من مزاولة عمله بإخفاء أدواته أو ملابسه أو أي شيء آخر مما يستعمله أو بأية طريقة أخرى. ويعاقب بنفس العقوبة السالف ذكرها كل من يحرض الغير بأية طريقة على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة." وهذا النص يستطيع المبلغين والذي يشغلون وظائف (حكومية أو خاصة )استخدامه في درءا أي تهديد أو إرهاب يصيبهم نتيجة الإبلاغ عن الفساد.
·    ينظر القانون المصري إلي المبلغين علي أنهم شهود وأدلة لإثبات الجريمة ومن هنا نجد أن النيابة العامة مطالبة بالمحافظة علي الأدلة فنصت المادة (24) من قانون الإجراءات الجنائية علي أنه " يجب على مأمور الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يبعثوا بها فورا إلى النيابة العامة ويجب عليهم وعلى مرؤوسيهم أن يحصلوا على جميع الإيضاحات ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ إليهم أو التي يعملون بها بأي كيفية كانت وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية اللازمة على أدلة الجريمة." وهو الأمر الذي يتيح للمبلغ أو للشاهد أن يطلب الحماية القانونية من مأموري الضبط القضائي.
·    لا يحق لأطراف الدعوي رد الشهود وفقا لقانون الإجراءات الجنائية فنصت المادة 285 "لا يجوز رد الشهود لأي سبب من الأسباب." وبالتالي  يكون الشهود في مأمن من استبعادهم كدليل علي وقوع الجريمة الأمر الذي يظل معه الشاهد جزء من أدلة النيابة العامة في الدعوي الجنائية يجب المحافظة عليها باستمرار.
إلا أنه يبقي التطبيق عائق أمام إنفاذ هذه الحماية ، وخصوصا مع تباطؤ الإجراءات القضائية وعدم اكتراث بعض الجهات القضائية ببلاغات إهدار المال العام إذا ما قورنت بالجرائم الجنائية الأخرى، فقد تحظي قضية سب أو قذف في حق وزير أو هيئة نظامية بقدر اكبر من اهتمام النيابة العامة في التحقيقات وسرعة إحالتها إلي المحاكمة عن تلك القضايا المتعلقة بإهدار المال العام.
4.     مستخلصات ومقترحات:
4-1.   نخلص من العرض السابق للوضع التشريعي أن البناء القانوني المصري لا يفتقر كليا إلي النصوص القانونية التي توفر حماية قانونية للمبلغين والشهود في قضايا الفساد, بقدر ما يفتقر إلي تطبيق تلك النصوص القانونية واستخدامها سواء من قبل المبلغين ووكلاءهم من المحامين أو من قبل جهات التحقيق. واعتقد أن تدريب عدد من المحامين وكذلك وكلاء النائب العام علي كيفية استخدام النصوص القانونية الحالية في حماية الشهود والمبلغين سوف يكون له أثر كبير في تفعيل تلك النصوص القانونية.
4-2.        يجب أن يكون هناك برامج حماية متكاملة لتقي المبلغ من تنكيل المبلغ ضدهم ، علي النحو الذي بينته الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ، وتتطلب تلك البرامج أن يكون هناك جهة محددة لتلقي تلك البلاغات ونظرها ، وأن يتيح لها القانون سلطة مراجعة القرارات والشكاوي الصادرة ضد المبلغ أو الشاهد للتأكد أنها غير متعلقة بإبلاغه عن الفساد.
4-3.   يجب أعادة النظر في عدد من القوانين لكي تتفق مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد علي رئسها قانون العاملين المدنيين بالدولة، بشكل يوفر لهم حماية حقيقية من الفصل أو النقل أو الندب طوال فترة التحقيق مع المبلغ ضده ، مثال ذلك أن يلزم المشرع قبل فصل العامل أو نقل عرض الأمر علي المحكمة، أو أن ينص المشرع علي عدم تنفيذ تلك القرارات إلا بحكم من المحكمة المختصة. وذلك في حالة كون الموظف قد أبلغ عن واقعة فساد قبل صدور القرار ، كما يجب مراجعة التشريعات التي تتضمن مفهوم السرية ووضع تعريف محدد وملموس للمعلومات التي تدخل في إطار السرية، وفي هذا الإطار نحث الدولة علي إصدار قانون يتيح حق نقل وتداول المعلومات.
4-4.    يجب إعادة النظر في القيود التي يفرضها قانون الإجراءات الجنائية علي تحريك الدعوي العمومية ضد الموظفين العموم، وذلك علي غرار ما نصت عليه المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية والتي استثنت جريمة الامتناع الموظف عن تنفيذ القانون أو حكم قضائي، كما يجب أن تشمل تلك المراجعة ما نصت عليه المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية من أسباب الإباحة.
4-5.    يجب علي جهات التحقيق أن تولي اهتمام أكبر بالبلاغات والشكاوي المتعلقة بقضايا الفساد وإهدار المال العام، بما في ذلك سرعة التحقيقات والتصرف في البلاغات، حتى لا يكون الأمر مطمع للمفسدين.



[2] نصت المادة  54 من قانون العاملين المدنين بالدولة علي أنه "مع مراعاة النسبة المئوية المقررة في المادة (51) من هذا القانون يجوز نقل العامل من وحدة إلى أخرى من الوحدات التي تسرى عليها أحكامه، كما يجوز نقله إلى الهيئات العامة والأجهزة الحكومية ذات الموازنة الخاصة بها ووحدات القطاع العام والعكس وذلك إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية بالأقدمية أو كان بناء على طلبه.  ويستثنى من النسبة المئوية سالفة الذكر الوحدات المنشأة حديثا. ولا يجوز نقل العامل من وظيفة إلى وظيفة أخرى درجتها اقل ويكون نقل العامل بقرار من السلطة المختصة بالتعيين.، كما نصت المادة (55) من ذات القانون علي أنه"استثناء من أحكام المادة السابقة يجوز بقرار من وزير المالية بعد موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة نقل العامل من وحدة إلى أخرى في الحالتين الآتيتين:
1 ـ إذا لم يكن مستوفيا الاشتراطات الوظيفية التي يشغلها أو أي وظيفة أخرى خالية في الوحدة التي يعمل بها.
2 ـ إذا كان زائدا عن حاجة العمل في الوحدة التي يعمل بها وفى هذه الحالة يلغى تمويل وظيفته من موازنتها أو بنقل هذا التمويل إلى الجهة المنقول إليها.
أما المادة (56) فقد نصت علي "يجوز بقرار من السلطة المختصة ندب العامل للقيام مؤقتا بعمل وظيفة أخرى من نفس وظيفته أو وظيفة تعلوها مباشرة في نفس الوحدة التي يعمل بها أو في وحدة أخرى إذا كانت حاجة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك. وتنظم اللائحة التنفيذية القواعد الخاصة بالندب.
[3] الحكم الصادر في 23/6/1956 (س1 ص 924)- القضاء الإداري  للدكتور سليمان الطماوي – الجزء الأول – ص 894.
[4] حكم القضاء الإداري الصادر في 17/11/1955 (س 10 ص 33) – المرجع السابق.
[5] يقصد بها المادة 47 من القانون 210 لسنة 1951
[6] حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بتاريخ 13 يناير 1962 – المرجع السابق
[7] يخضع العاملون حتى درجة معينة لنظام تقارير الكفاية لضمان أداء واجبات الوظيفة علي النحو الأمثل ويرتب المشرع أثار ضارة علي بعض مستويات التقارير وقد تري الإدارة لسبب أو لأخر أن تستخدم هذه السلطة الخطيرة استعمالا منحرفا
[8] القلم وما يسطرون للأستاذ نجاد البرعي – المحامي بالنقض
[9] د.محمد حافظ غانم-العلاقة بين القانون الدولي والقانون الوطني-المجلة المصرية للقانون الدولي-المجلد 8 –سنة1952.
[10] د.احمد قسمت الجداوى-مبادئ القانون الدولي الخاص-طبعة1988-ص166.
[11] يراجع النقض رقم 1441 لسنة67 ق – جلسة20/4/1999، ونقض رقم 2660-سنة59 ق - جلسة27/3/1996، و نقض رقم 1441 لسنة67 ق – جلسة20/4/1999، ونقض رقم 2660-سنة59 ق - جلسة27/3/1996. وقد أخذت محكمة امن الدولة العليا المشكلة وفقا لقانون الطوارئ عام 1986 بهذه القاعدة في القضية الشهيرة بقضية " إضراب عمال السكة الحديد" حيث قضت بأن المعاهدة الدولية تنسخ ما يتعارض معها في قانون العقوبات وأقرت بقانونية حق الإضراب رغم أن الإضراب مازال مؤثماَ في مصر بمقتضى المادة (124) عقوبات، وجاء في حيثيات هذا الحكم " وحيث أنه بالنسبة للدفع بنسخ المادة 124 عقوبات ضمنيا بالاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فان مصر قد وقعت عليها ونصت المادة(8) على انه: تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية أن تكفل أ)............ب).........ج)......... د) الحق في الإضراب على أن يمارس طبقا للقوانين في القطر المختص.....وهذا النص قاطع الدلالة في أن على الدولة المنضمة للاتفاقية التزام بأن تكفل الحق في الإضراب بمعنى انه صار معترفا به كحق مشروع من حيث المبدأ ولا يجوز العصف به كليا وتجريمه على الإطلاق.......والقاضي الوطني لا يطبق المعاهدة تأسيسا على أن الدولة قد التزمت دوليا بتطبيقها وحسب بل يطبقها باعتبارها جزءاَ من قوانين الدولة الداخلية إذا ما تم استيفاءها للشروط اللازمة لنفاذها داخل الإقليم.
 [12] ونعرض فيما يلي لعدد من أشكال المعاهدات والاتفاقات الدولية:
1.    معاهدة: Treaty: المعاهدة في القانون الدولي هي اتفاق بين دولتان أو أكثر أو غيرها من أشخاص القانون الدولي وموضوعه تنظيم علاقة من العلاقات التي يحكمها هذا القانون، ويتضمن حقوقا والتزامات تقع علي عاتق أطرافه، ويكون هدفها تنظيم موضوعات تتصل بمصالح المجتمع الدولي كله. والمعادة تحدث نتائج قانونية وتعالج قضايا معينة كتسوية قضية سياسية أو إنشاء حلف أو تحديد حقوق والتزامات كل منها، ويتم عقد المعاهدات بطرق رسمية وقانونية تبدأ بالمفاوضات ويليها التوقيع من قبل المندوبين المفوضين ، وإبرامها من قبل رئيس الدولة ، ثم تبادل وثائق الإبرام إلي يضفي عليها الصفة التنفيذية بعد إقرارها نم السلطة التشريعية.
1.   اتفاقية: convention:الاتفاقية عبارة عن اتفاق دولي أقل أهمية من المعاهدة ، علي الرغم من أن بعض الوثائق الدولية لم تميز بينهما ، وهي تتناول بشكل خاص القضايا الفنية ، كالشئون الاجتماعية والاقتصادية والتجارية...الخ أو تسوية نزاع بين الطرفين مع بيان الحقوق والامتيازات لكل منهما، أو تتضمن مبادئ وقواعد دولية عامة ، وتتعهد الدول الموقعة باحترامها ورعايتها.
2.   الاتفاق:Agreement : إن كلمة الاتفاق يعني تفاهم أو تعاقد دولي لتنظيم العلاقات بين الأطراف المعنية في مسألة ما أو مسائل محددة يرتب علي تلك الأطراف التزامات وحقوق في ميادين السياسة والاقتصاد والثقافة والشؤون الفكرية . وقد يتخذ الاتفاق طابعا سريا أو شفهيا أو صفة عابر فيكون اتفاق مؤقت أو طويل الأجل أو ثنائيا أو متعددا ....الخ، والاتفاق أقل شانا من المعاهدة والاتفاقية، ويجري التوصل إلي الاتفاق بعد مفاوضات ويتم التوقيع ويخضع للإبرام والنشر. والاتفاق مصطلح قانوني لاتفاق بين دولتين أو أكثر علي موضوع معين له صفة قانونية ملزمة.
3.   البروتوكول:Protocol : تستعمل كلمة برتوكول للدلالة علي مجموع الإجراءات والاستعدادات المتخذة علي أثر التوقيع  علي معاهدة ما تمهيدا للتصديق عليها دون استبعاد بعض التعديلات المتعلقة عادة بالخطوات الإجرائية . وقد يتم البرتوكول بمعني تعديل لاتفاقية قائمة ومعقودة بين دولتين أو أكثر وتأتي في الدرجة الرابعة بعد المعاهدة والاتفاقية والاتفاق.
4.   الميثاق: charter:الميثاق هو اتفاق دولي لإنشاء منظمة دولية مثل ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، وميثاق جامعة الدول العربية.
5.   مذكرة تفاهم: Memorandum under Standing :مذكرة التفاهم هي اتفاق مبدئي للعلاقات بين الدول أو بين الدولة وأحدي المنظمات الدولية موضوع معين حتى يتبلور، وتشمل عدة موضوعات وهي إطار للعلاقة، يصاغ فيما بعد ليصبح اتفاقية أو معاهدة أو غير ذلك.
6.   اتفاق علي إيضاح قانوني: Accord: يستعمل مصطلح Accord عادة علي الاتفاقيات التي تنظم التي تنظم المسائل السياسية في حالة الاتفاق المتعلق بالمصطلحات السياسية بين الدولة والأطراف المتخاصمة أي اتفاق إيضاحي لتعريف وتفسير وشرح المصطلحات الواردة في المعاهدات والاتفاقيات والاتفاقات الدولية.
7.   وثيقة تعهد: Letter of document :هي الوثيقة الدبلوماسية التي تتعهد بموجبها أحدي الدول بأحد الأمرين ، أما أن لا تخرق الاتفاقات المعقودة سابقا بينها وبين دول أخري ، أو بان الامتياز الخاص الذي منحتها إياه دولة أخري لا يؤثر علي حقوق وامتيازات كل منهما[12]
[13] الطعن رقم 2044 لسنة 17 ق – مكتب فني 7 ع الجزء رقم 1 صفحة رقم 405.
[14] أحكام النقض جلسة 1/6/1959 س 10 ق 131 ص 589 – شرح الإجراءات الجنائية للمرصفاوي ص 189